Tuesday, September 3, 2013

الفن والسياسة

               
شرف دارزيد
كان جميلاً ما كتب يوما ما الأرستقراطي الثوري ماركيز دي ساد أننا «لا نعرف أنفسنا حقاَ إلا حين نتجاوز حدودنا بالذات». صحيح وصحيح جدا، ومن هنا يبدأ المرء بالتمرد فالإبداع ثم الإعتراف!
لكن السؤال: هل بالضرورة أن نعرف كل شيء عن ذواتنا؟ إذ لم يُخلق الكائن البشري فقط لكي يفتش عن المعرفة، بل وكما قال باولو كويليو، لكي يحرث الارض أيضا، وينتظر المطر، ويزرع القمح، ويجني الغلال، ويعجن الخبز! لذا فتجاوز حدودنا يكمن في معرفة ذاتنا أولاً، لنعرف بعدها محيطاتنا، ثم نتصرف بنضج ووطنية دون انعزال، وعليه فعلينا أن نبتعد قليلا عن التنظير ونقترب كثيرا من التطبيق على الأرض.. يمكن لكل فرد فينا ترجمة القول في إطار عمله وهنا أخص بالذكر حقل الفنون والثقافة وبالطبع السياسة!
في شهر آب 2013 كتبت: «لا يمكن لمصمم الرقص أن ينسلخ عن مجتمعه ومحيطه وجمهوره في أي ظرف. أما في ظروف الاضطهاد والاستعمار، كحال شعبنا الفلسطيني، يصبح الرابط مع المحيط أكثر عضوية، فكيف لمصمم الرقص المنتمي أن يتجاهل الاضطهاد بأشكاله ويقدم الفن فقط من أجل الفن، دون أن يساهم في إبقاء وتعزيز الاضطهاد؟»
هذا، بطبيعة الحال، يتطلب من الفنان المنتمي (اي لمجتمعه ووطنه) متابعة حال وظروف ووقائع نعيشها ولا يغض النظر عن السياسة بأشكالها، بل ويتطلب منه أحيانا ان يأخذ موقفاً واضحاً لا محايد. ربما ليس الوقت الأنسب للدعوة الى «الفن الثوري» كما دعى اليه الفنان السريالي الثوري، أندري بريتون. فنحن، وكما عبر الكاتب الفلسطيني احمد قطامش «لسنا في ربع الساعة الاخير كي نرمي بقدرات الشعب في معركة واحدة». لكن الاتصال بالسياسة حاجة وضرورة، فالفنان دون وعي سياسي يعني فراغ، يعني أن فنه دون رسالة وثقافته دون نتيجة.
كثيرا ما أسمع: هذا عظيم. فكيف يمكن أن يقال أن هذا الفن عظيم؟ الفن العظيم برأيي هو من يهتم بقضايا عظيمة تنادي اليها الانسانية. فن تحرري يتطلع للمساواة بين الرجل والمرأة، فن شعبي يرفض الطبقية ولا يتخصص بالنخبوية، فن اشتراكي ينادي بالعدالة الاجتماعية والمساواة، فن راقي دستوره الاخلاق والقيم. فن منتمي للوطن، للقضية وللمجتمع، يرفض كل أشكال التطبيع مع المُضّطَهِد، يتبنى مقاطعة المحتل ويرفض أي عمل مشترك يهدف إلى تساوي الغاصب مع المغتَصب. هذا الفن يرفض بشجاعة مظاهر الاستغلال والاستبداد، يرفض الكذب والنفاق، كما يرفض التخاذل والاستسلام. الفن الذي يسعى الى إمكانية تحقيق حياة أفضل.
الفن بالعادة نسبي ولا يمكن أن يرضي جميع الأذواق، لكن حتما يمكن تقييم انتمائه. ليس بالضرورة كل عمل فني أن يساهم في رفع الذوق الفني ولا بالضرورة أن يعالج أموراً اجتماعية وسياسية بشكل واضح ومباشر، أو أن يسلط الضوء على كل ما ذكر سابقاً، وليس المطلوب أن يتحول إلى خطاب سياسي أو دعاية خالصة، لكن من الضروري أن يحمل العمل الفني هوية ذات جذور متصلة بالواقع ومتحررة في الوقت ذاته. فالتحرير لا يمكن أن يأتي من دون تعبير حر. الفن وتعبيره يساهمان في ازدهار وتطور الفكر القومي، حينها فقط يكون مجتمعاً ووطناً حراً.
هذا طبعا في حال كان يعتبر الفنان أن الفن الذي يقدمه يساهم في تمزيق أقنعة المنافقين وفضح الحقائق. وإن كان يعتبر أن فنه لا يتطلع أن يساهم بالضرورة سياسيا، حينها «لا منك ولا من فنك»!

رام الله
sharaf.darzaid@gmail.com هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته
هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته

No comments:

Post a Comment

Note: Only a member of this blog may post a comment.